الَّذِينَ يَذْكُرُونَ
اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي
خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً
سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” (آل عمران:191)
إن
الكون الذي نعيش فيه هو كون في توسع وازدياد مستمر، نستدل على ذلك من
مراقبة المجرات ومجموعات المجرات التي تنتقل بثبات وكل على حدة في الكون،
هذا التوسع يحدث منذ ان تشكل الكون قبل حوالي 14 بليون سنة في حدث كثيف
وحار جدا والمعروف بالانفجار العظيم.
الفضاء هو هندسة
الكون، التغييرات في الحجم أو في شكل الفضاء يحدثان بسبب حركة المادة
والطاقة في الكون أو بسبب التغييرات في محتوى الطاقة ومادة الكون.
عمر الكون والاستكشافات العلمية
تمكنت
ناسا من تحديد عمر الكون على وجه الدقة بمساعدة مجس فضائي, قائلة إنه يبلغ
13.7 مليار عام كما إستطاعت تحديد تاريخ بدء النجوم بالتوهج واللمعان بأنه
بدء بعد 200 مليون عام فقط من "الانفجار العظيم" وقد تمكن علماء ناسا
بواسطة المجس الفضائي ان يتعمقوا في الزمن والنظر الى الكون ) النظر إلى
الوراء حتى 380 ألف عام بعد الانفجار العظيم ( عندما لم تكن هناك نجوم ولا
مجرات ولا شيء سوى فروق طفيفة في درجات الحرارة.
وقال
العلماء إن هذه الفروق الطفيفة المتناهية بالصغر التي تبلغ جزءا من مليون
جزء من درجة الحرارة المئوية الواحدة كانت كافية لتكوين بقع هائلة حارة
وباردة والتي كانت النواة التي تشكل منها للكون بعد ذلك، وقد اظهرت الصور
التي ارسلها المجس أن الكون عبارة عن شكل بيضاوي منقط ويشير اللونان
الأصفر والأحمر فيها إلى المناطق الحارة واللونان الأزرق والفيروزي إلى
المناطق الباردة.
وقد أعلن فريق من علماء الفلك
السويسريين والفرنسيين أنهم عثروا على أبعد مجرة تكتشف حتى الآن، وهي
مجموعة نجوم ترجع إلى فجر الكون وتبعد 13.2 مليار سنة ضوئية عن الأرض،
وتكشف الصور التي حصلوا عليها مجرة عندما كان عمر الكون 470 مليون سنة
فقط، وستساعد العلماء في معرفة كيف تشكلت، وقد اطلق عليها العلماء اسم
"أبيل 1835- أي آر "1916وتبين الصور ما بدا عليه شكل الكون بعد قليل من
بدء مصادر الضوء الأولى في اختراق الضباب الكوني الذي أعقب الانفجار
العظيم وأنهى ما يطلق عليه العلماء اسم العصور المظلمة.
"الَّذِي
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ
ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً"
(الفرقان:59)
مركز الكون
قد
يتبادر للذهن سؤال هو هل للكون مركز معين، ولكن الاجابة عليه ببساطة شديدة
هي ليس هناك مركز للكون لأنه ليس هناك حافة للكون، في كون محدود وفضاء
مقوس بحيث انك اذا تمكنت من السفر عبر الكون وأن تجتاز بلايين البلايين من
السنوات الضوئية في خط مستقيم سوف تنهي رحلتك من حيث بدأت، ومن محتمل أيضا
بأن كوننا هذا لانهائي، في كلا المثالين، تملأ مجموعات المجرات الكون
بالكامل وتتحرك على حدة في جميع الاتجاهات تجعل الكون في توسع مهيب ودائم.
الانفجار العظيم
"أَوَلَمْ
يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا
رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ
أَفَلا يُؤْمِنُونَ"
(الانبياء:30)
يتوارد
للذهن سؤال عن مكان حدوث الانفجار العظيم، وهناك فرضية شائعة ان الانفجار
العظيم حدث في فضاء فارغ وهذا الإنفجار يوسع هذا الفراغ وهذا خاطئ،
فالفضاء والوقت خلقوا مع الانفجار العظيم، في بداية الكون كان الفضاء ملئ
بالكامل بالمادة، والمادة كانت حارة جدا وكثيفة جدا وبعد ذلك توسعت وبردت
لإنتاج النجوم والمجرات التي نراها في الكون اليوم.
"وَهُوَ
الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ
عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً
وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ
لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ"
(هود:7)
بالرغم
من أن الفضاء لربما ركز في نقطة وحيدة عند الانفجار العظيم، ومن المحتمل
ان ذلك الفضاء كان لانهائي عند بداية الانفجار العظيم، في جميع
السيناريوهات، الفضاء كان ملئ بالكامل بالمادة والتي اخذت بالتوسع.
لا
يوجد هناك مركز للتوسع، فالكون يتوسع ببساطة في جميع الاتجاهات، يرى
المراقبون من أي مجرة ان أغلب المجرات الأخرى في الكون تبتعد عنهم، لذلك
فإن الجواب عن مكان حدوث الانفجار العظيم هو بأنه حدث في كل مكان في الكون.
وهذا
لايعني بأن الأرض أوالنظام الشمسي يتوسعان، فلا هما ولا حتى مجرتنا درب
التبانة يتوسعوا، هذه الأجسام شكلت تحت تأثيرالجاذبية وتوقفت عن التحرك
على حدة، فالجاذبية تمسك المجرات سوية وتقسمها إلى مجموعات وعناقيد، وهي
بشكل رئيسي مجموعات وعناقيد المجرات التي تتحركان على حدة في الكون، بمعنى
ان ما يتوسع هو الكون نفسه الذي تتواجد فيه المجرات.
نظرية الانفجار العظيم وبدء خلق الكون
تقول
النظرية ان الكون بدأ خلقه من نقطة متناهية الصغر ومتناهية الضخامة في كم
المادة والطاقة، وأن هذه النقطة انفجرت فتحولت إلي سحابة من الدخان، ثم
اخذت تبرد من مئات البلايين من الدرجات المطلقة إلي حوالي الثلاث درجات
المطلقة وبدأت درجات الحرارة مناسبة للمرحلة التالية للخلق.
نشأة الكون وتطوره
المرحلة
التي تلت الانفجار العظيم استمرت لجزء من مائة ألف مليون جزء من الثانية
بعد عملية الانفجار وفيه خلقت اللبنات الأولية للمادة كما خلقت أضدادها من
الدخان الكوني وذلك من الكواركات وأضدادها النيوترينوات ونقائضها.
وكان
الدخان الكوني كثيفا مظلما معتما، وكانت الجاذبية قوة منفصلة رابطة أجزاء
هذا الدخان الكوني، بينما انفصلت القوة الشديدة عن القوة الكهربية
الضعيفة، ويعتقد أن أعداد هذه الجسيمات الأولية كان يفوق أعداد نقائضها
وإلا ما وجد الكون, وكانت هذه الفترة فترة تمدد ملحوظ وتوسع مذهل
للكون.
وبعدها بدأت المرحلة التالية وقد استمرت إلي جزء
من مليون جزء من الثانية بعد عملية الانفجار العظيم، وفيه تمايزت
اللبتونات (وهي أخف اللبنات الأولية للمادة مثل الإليكترونات
والنيوترينوات وأضدادها عن الكواركات، كما تمايزت البوزونات، وانفصلت
القوة الضعيفة) عن اتحاد القوي المعروف باسم القوة الكهربية الضعيفة.
وجاءت
بعدها مرحلة جديدة وقد استمرت إلي 225 ثانية بعد عملية الانفجار العظيم،
وفيه اتحدت الكواركات مع بعضها البعض لتكون النيوكليونات وأضدادها مثل
البروتونات ونقائضها، والنيوترونات ونقائضها، وكانت الطاقة علي قدر من
الضعف لايسمح بتكون النيوكليونات وأضدادها علي نطاق واسع .
وفي
الفترة من 225 ثانية إلي ألف ثانية بعد عملية الانفجار العظيم بدءت فترة
تكون نوى العناصر، وفيه تكونت الديوترونات الثابتة وهي تنتج عن ترابط
بروتون مع نيوترون، ومع تكونها بدأت عملية الاندماج النووي في تكوين نوي
ذرات الايدروجين، وباتحادها تكونت نوي ذرات الهيليوم وبعض نوي الذرات
الأثقل.
وفي الفترة من ألف ثانية إلي عشرة تريليونات
ثانية بعد الانفجار العظيم بدأت الايونات في الظهور، وفيه تكونت أيونات كل
من غازي الإيدروجين والهيليوم، واستمر الكون في الاتساع والتبرد.
وخلال
الفترة من عشرة تريليونات ثانية إلي ألف تريليون ثانية بعد عملية الانفجار
العظيم، بدأت الذرات في التكون، وفيه تكونت ذرات العناصر، وترابطت بقوي
الجاذبية وأصبح الكون شفافا.
وبعد حوالي 32 مليون
سنة بعد عملية الانفجار العظيم إلي اليوم بدء خلق أغلب العناصر المعروفة
لنا ( وهي أكثر من مائة وخمسة عناصر) بعملية الاندماج النووي في داخل
النجوم حتي تكون عنصر الحديد في داخل المستعرات والمستعرات العظمي، وتكونت
العناصر الأعلي وزنا ذريا من نوي ذرات الحديد باصطيادها اللبنات الأولية
للمادة المنتشرة في صفحة ال
"يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ
السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً
عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ"
(الانبياء:104)
خارج الكون
خلق
الفضاء مع اللحظات الاولى من الانفجار العظيم، ان كوننا الذي نعيش فيه ليس
له حافة أو حد - كما انه ليس هناك ما هو خارج كوننا، قد يكون من المحتمل
بأن كوننا هذا هو جزء من اكوان لا نهائية، لكن هذه الاكوان لا تحتاج
بالضرورة فضاء لتوجد فيه، وهنا لنا تعليق ان القران قدأشار الى وجود سبعة
سموات كما ذكر في الاية التالية "هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي
الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ
سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ“ (البقرة:29) فالعلم عند الله
هل المقصود بتعدد السموات هو تعدد الاكوان اي انه دليل على ذلك ام لا نترك
ذلك لحين معرفة ما هية السماء الاولى وتحديدها تحديدا جازما لنستدل على
المقصود بالاكوان او السموات السبع المذكورة في القران، فحسبما ذكر في
التفسيرات ان لكل سماء خلقها الذين يعشون عليها من ملائكة وأنبياء وغيرهم
كما ورد في حديث الرسول عليه السلام عن رحلة الاسراء والمعراج
ماقبل الانفجار العظيم
ذكر
في القران الشريف ان عرش الرحمن كان على الماء قبل بدء الخلق، إذن كانت
هناك مادة في الكون قبل الخلق ولم يكن بدون مادة، اما العماء فيقولون ان
الوقت خلق مع الانفجار العظيم ونحن لا نعرف إذا كان الوقت موجود قبل
الانفجار العظيم أم لا، والوقت هنا بمعنى الزمن، لذلك هذا السؤال من الصعب
ان نجد له اجابة، بعض النظريات تقول بأن كوننا جزء من اكوان لا نهائية
(تدعى الكون المتعدد) التي تخلق بشكل مستمر، وهذا محتمل لكنه صعب الاثبات
فإذا
كان الكون بعمر 14 بليون سنة، كيف سارت المجرات أكثر من 14 بليون سنة
ضوئية، من المحتمل بأن كوننا لانهائي وملئ بالمادة في كل مكان سواء منذ
الانفجار العظيم او قبله، فهناك دليل جيد أيضا ان عند بدايات الكون لربما
كان الكون يتوسع بأسرع بكثير من سرعة الضوء، ذلك محتمل حتى يتوسع الفضاء
حيث أن الجزيئات او الجسيمات لا تنتقل بسرعة، والفراغ بين الجزيئات ازداد
كثيرا.
يمكنا أن نتخيل المجرات مثل الكرات تجلس على قطعة مطاطية التي
تمثل الفضاء، إذا شدّت القطعة المطاطية فإن الكرات سوف تتحرك على حدة او
في مجموعات، الكرات التي تكون قريبة من بعضها البعض سوف تتحرك فقط على حدة
ببطئ، اما الكرات التي تكون مفصولة على نحو واسع تبدو انها تتحرك بمفردها
بسرعة اكبر، ليس هناك حد معين لتخيل كيفية توسع الفضاء، فالعلم عند الله
وقد ذكر في القرأن الشريف قوله "وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ
وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ" (الذريات:47) أشار الله سبحانه وتعالى الى ذلك
التوسع في هذه الايه، فإذا كانت السماء المذكورة في هنا هي الفضاء او
الكون فهذه إشارة واضحة على ذلك.
"يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ
إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ"
(الرحمن:33)
السلطان
هنا هو العلم، فقد دعى الله الانس وكذلك الجن للبحث في اقطار السماء ليس
بتحدي لهم انهم لن يصلوا لذلك بل بدعوتهم للبحث والتعلم للوصول الى ذلك
المبتغى، ولم يخصص تلك الدعوة للمؤمنين منهم او غيرهم بل هي دعوة عامة
لجميع الانس والجن، والى ان نجد المراجع والابحاث الاسلامية في مجالات
العلم المختلفة علينا الاستفادة مما وصلت اليه الحضارة الغربية من تقدم
ولننتفع به ولنترك سلبيات حضارتهم ونهتم بالايجابيات فيها ونطور غايتنا
للوصول الى ذلك المستوى، فكما كان للمسلمون الاوائل فضلهم في ازدهار العلم
حينها للغرب ايضا فضلهم في التقدم الحالي، لنعترف بذلك ولنستفد به.